أمي : أريد بطّانيَة جديدَة . ومدفأة بالخطّ السّاخن تُضيءُ داري الصّامتَة
وأريد يا أمّي معطفاً شتوياً مليء بـ " الفرو " لأشعر وأنا بداخلِه في كومعَة صوفٍ ناعِم !
فـ يُحسّسُني بالحَرارَة السّوادءِ رغمَ قطبيّة الاجواء ..
وإلا سَأنام بلا شيء اليَوم حتى تحضرونَ ما أريد !
دخَلت في السَاعة الثّالثَة والبردّ يشتدّ ويشتدّ ..
ويُعلن الموتَ بِلا رَحمة لمن لم يتهيّأ لَه !
هنَـاء !! هنَـاء !! استيقظي أينَ بطانيّتكِ ؟
لماذا لا تدفئين جسدكِ ؟
أمي لا أريد هذه البطّانيّة .. أريد بطّانيّة جديْدة وقلتُ لكِ قبل النّوم ذلك ! ؟
حسناً لا بأسْ .. تريدين بطانية جديدة هـاه !! بعدَ ثَلاثَة أشْهر سأنفّذ ماتقولينَه طفلتي الحبيبَة ..
أحقاً ما تقولين !؟ بعدَ ثلاثَة أشهر ستَشتريْنَ لي !
ياه أمي أجملُ أمٍ في العالمِ كلّه ! حسناً سأتدفأ الآن ..
وسأنتظر تلكَ الثّلاثة يا أميْ ..
وفَاء : هنَائيْ سأصنعُ الـأحلام الآن .. سأجرّهَا بخطوطٍ بيضَاءَ .
وأقول للببغاءِ تردّد النشيدْ .. بأبياتٍ نسجتُهَا قبلَ المجيءْ
رنّانَةٌ مرتّلَة يا سَعدي وهنَائيْ : قالوا تحتَويكِ ألف قصيدَة !
وألفٌ قد كتبتْ وأخرَى بعيدَة ! وألفٌ قدْ نبضَت وأخرَى سعيدَة !
ثمّ ألف وما تنفعكِ الألفَاتْ إن لم ترعيْ عشرةٌ سَديدَة !
هنَائيْ والفستَانُ :
لا تسبقيْ اليَوم قبلَ النوم .. اصنعي خبزاً شهيّة
وحليباً ساخناً على لأكونَ أنَا الوفَاءْ الدّافئْ ..
ارقدي لتستيقِظي على " منقلَة " أستَاذة فاطِمَة ..
فالموعدُ معَ " الطّابور " قصّة أخرَى يا هنَاء !
هنَاء : لا تثريبَ عليكِ مازلتُ أراكِ في المَنامْ
حوقلةٍ واستعاذة وكل أنواع المعوّذات أتمتم بِهَا
أخشَى أن تَكونيْ قرينَة شيطانٍ تفزعيني من السّبات !
فتتراقصينَ على عيْنايْ بالأحلامِ المقيتَة ومنْ قال لكِ أنيْ أحبَ فاطمَة ومنقلتُهَا ؟!
ابتعديْ مازلتُ صَغيرَة لا أأبه لأمثالكِ ! ..
وفَاء : بل لا ضيرَ عليكِ فالصّغرُ يوهمكِ بالتحلّم والتجَاهل !
زانتْ أموركِ أم شَانتْ ..! غابت أم عادت ! أنا وفَاءْ لا تقلَقي !
أعلنتُ الصّياح مع صبَاحكِ ! أعلنتُ الإبتسامة رغمَ تعاستكِ !
أعلنتُ التجهّم رغمَ تجرؤكِ ! يا صَباحاتيْ المؤلمَة التي
أستيقظُ فيْهَا عَلى آلامكِ .. فتشمتينَني رغمَ أنّي الأقربْ إليكِ !
تلقينَ عليّ سيلٌ من الكلمَاتِ المعَاتبَة التي لا تليقُ بي
وترحلينَ عنّي إلى فراشكِ ومازلتُ أريدكِ نديّة ، ومازلتُ أبحث عن سَعادتكِ !
بعدَ ثَلاثَة أشهُر ستشتريْ أمكِ قَائمة أمنيَاتكِ وسَتسعَدين بتلكَ الهَدَيَا الوفيرَة !
ولكنْ لا تنسين أن توفّري لكِ مكتبَة بيضَاء وصومعة بِهَا فانوسٌ يشبه الذي تمتلكه جدّتكِ
لتعيدي قصّة القدماءِ وبُؤسِهم ! وتعيشيْ لحَظاتُ تشعرينَ فيْهَا بأنكِ حقاً الهنَاء !
كبرتُ ووفَاء تلاحقُني في كل يَوم وربّما في كل ساعَة وفي كلّ دقيقَة وثَانيَة !
تَزورني في كلّ مرّة .. تمسَح دمعيْ وتهديني الدرّة !
درّة أخشَى أني أفتقدهَا بعدَ فقديْ ..
وفَاء .. عاشَت معَ أنفاسيْ .. رغمَ اختلافِ قلبَيْنَا !
ليسَ كالقلب الذي بداخلي وإن كانَ يُشبهني إلا أنّنا نتضادّ !
ولا نجتمع سواءْ إلا في الهَواء ..
وفَاء تصنعُ لدمعتيْ حافظَة من ذهب
تجمَعُ فيهَا قطراتي .. ولا تمتلئ تلكَ الحافظة
لأنّ وفَاء احتوتهَا فكانت تضَعها أمام الشّمسِ حتى تنشَف
ثم ترجعها وقتَ فضفضَتيْ وبُكائي !
وأمام ضوء الشّمسِ الحارق ...
أتذكّر اليَوم الذي انتهت به الثّلاثة أشهر ثم أتتْ أمي إليّ
بتلكَ البطّانيّة المزحرَفة السّماويّة الناّعمة التي لم أجد قطّ بطانيّة مثل نعومتِهَا !
أمي : تفضّلي طفلتي ذاك ماتريدين !
قالت وفَاء كعادتِهَا : ربّما نحتاج يا هَناء للبطانيّة ولكن تذكّري دائماً
أن الشّمس دافئِة تلكَ التي أضعُ أمامها دموعكِ لتجفّها
هيَ هيَ تماماً تلك الشّمسُ التي ستَكونُ بطانيّتكِ في الشّتاء .. !
وأردتُ إخبَاركِ أنّ تلكَ الشمس التي قبل الثّلاثَة أشهر
ليست هي التي بعد الثلاثة ..
فتلك هادئة وهذه حارقَة حد الوجَع !
نعم وفَاءْ هوَ بالتّحديدِ صَفر العام الثّامن عشَر !
ثمّة شيء دعَى أمكِ أن تؤجّل الشّراء إلى هذه الفترَة
هيَ تعلَم أن الصّبَاحات مختلفة وكذا المساءات !
إنّه بِبَساطَة يا صغيرتيْ تُشيرَ إليكِ أن الصّيفَ هلّ !
فـ تلتفتي إلى السّماءِ نحوَ الشّمس !!
وتذّكريْنَهَا أن لا تنسَاكِ في الشّتاءِ القَادم !
فليسَ كل غطَاءِ كالشّمسِ هذه !
نعَم يا وفَاءْ ، تلكَ الأنفَاس القديمَة تحتلّ قطعة من دمَاغيْ
وتشربْ من آمالي كؤوساً لا تنقصُ بل تزيدَ كلّ يَوم !
ورحلَت تلكَ الذّكريات وكؤوسِها ولم ترحلي أنتِ !!
والغريب ما زلتِ معي حتى في الرّحيل لا تُفارقينَ وجودي !
تفكّرين بمَا أفكر به .. تنامين بنفسِ المكَان .. تأكلين بنفسِ ملعقَتي
وتشربين من كَأسي الأسوَد ..! وتُشَاهدينَ ما أُشَاهده ..!
وتهدهديني مراتٌ كثيرَة لأنام بعدَ أنشودَة الحَمام الصّغير !
أكَاد أقولُ أن المرآة ملّت من حضوركِ وقتَ البكور !
حتّى الحدَثَ بتفاصيلِه أيقظَني من السّباتُ بسببكِ !
قالوا كرّرتِ الهوَى ولم تلصَقي بيْ سهواً ..
حتّى كرهتُ أنفَاسكِ المريرَة .. وأجبرتُ على اقتنائكِ في الحَافظة
في مكَانٍ لا أهتمّ لوجوده ! ..
فأبتعدْ في كلّ مرّة وتقتربينَ منيْ ألفَ مرّة !
قدْ انقَدني جميلُ الأدبْ ،، وصنّاعِ الأقلام بكثرة الألفاتِ في حيَاتيْ ..!
ولكن ما أفعَل بكِ لأنكِ صنعتي منهَا الكثيرَ قبلي !
وعندكِ أصبحتِ تجارةً تجريبيّة ،، واستخباراتٌ سريّة !
صعبٌ للوفَاءِ أن يلتصقْ بي حد الموت !
صعبٌ أن يحبكْ قماشُ حريرِه من إبرتيْ .. ويستعمل خيُوطيْ
وربّما سرقَ مني مكينتيْ أيضاً !!
ألستُ أريدني لهَـنَاءْ فقط !
لمَ تفعلُ الوفَاءْ أقصوصاتٌ مزخرَفة عن البشَر تَارةً !
وتَارةً ليْ فلا أجد إلا نفسي هيَ هي !!
ومعَ كل قطيعتي وهجرَاني لا تقرّرينَ الرّحيلَ عنّي !
قدْ قالوا أنكِ لن ترحليْن إلا برحيلي السّرمديّ !
وعَلى أكوامٍ من دوائِر النّور !
كتبتُ فيكِ مهزَلةً حقيقيّة لا تهزّهَا أريَاحٌ وفائكِ !
ودنيَا سعدكِ بقيَت لي مبتَسمَة رغم كل الجفَاءْ الذي بدَر منّي ياوَفاءْ !
ومَا أبقيتِ منّي إلا مشَاربٌ من تعَب .. ونصَب !
وناديتُ بملئِ فاهيْ في دجَى ليلي الهَزيل !
ارحــلي بروحكِ ! ارحلي عن عَالميْ وعَالَم البشَر
الذيْ وشَم قلبيْ بقربِهم ! وابتسَم وأنا أتعَبَهم !
يا ليليْ والرّقادِ السّاكن يزيْحُ عن العيونِ بكَائيْ
يا ليليْ أرسِل للنّجمَة التي أرهقَها شِكائيْ
وبتّ ياليليْ أُشعرُ هزلا بلا وزنٍ يقيسُ عنَائيْ
كيَف لإنسَانة أخرَى تسْكننيْ ولا تَرَاني ! تُحَاول مسحَ الدّمعَة .. !
تؤلمُني ثمّ ما تلبَث أن تزيحه !
تجرحني ثمّ ماتلبَث أن تلمّه !
تسكنني ولكنّ هذه لا تَستطيْع أن تنفصِل عنّي !
ورغمَ كل الكرهِ الذي لا يُجَامل تبقَى تلاحقني !
حتّى في المناماتِ السّعيدَة تعكّر صفوَ ورديّتي ..!
وفَاء : إن كانَت الوَفَاءِ قدْ صبرَت أكثَر من عشرونَ عاماً يا هَناء ..!
فإنّهَا ستصبِر عشروناً أخرَى لأجلِكِ ولأجلِ القلبِ الذي أطَابَ مسْكنه !
نعَم لقَد طالَ صبريْ وما الذي يمنعه أن يطولَ يا روح !؟
هنَاء : يمنعُه موتٌ فقط ! ..
وقبلَ الموتِ فإنّهَا اليَوم تعلنُ لكِ في الحيَاة الضّمير المستَترّ !
إنّهَا ألفَاتُ ونونُ الوَفاءِ التي ملّ منهَا صنّاع الأدب
وفَاءُ الرّوح للرّوح كانَ أجمل وفَاءٍ للرّوح !
وفَاءُ ( الأَنا ) بنفسِهَا ..
وكمَا قلتُ أنّه لن أرحل عن نفسي يوماً بدونِي ..
وأزيدكم أنّه
لن يتعبَ ويتألم بي غيري .. لن يبكي ويضحك معي غيريْ !
لن يخرج الدّمعَ من عينيّ غيري ! لن يصطَنع ابتِسَامة لأجلي غيري !
لنْ يكره نفسي غيري ! لن ينتقم منهَا أحدٌ غيري !
إلا من له سلطانٌ على الملوكِ ..سبحانَه
حينَ يقولونَ ماتتْ هنَاءْ فإنّه لن يموتُ وفاءُ غيري بل وفائيْ أولاً !
وفاءٌ أَنانيّ ..وفاءٌ كره .. وفاءُ حبِ .. وفَاءٌ مزَاجيّ
فهوَ بريدٌ المزَاجات الزّاجلَة للوفَاءِ الذي هوَ عنوانكِ ..
ومعَ كلّ الذي قلتُ يا روح من أنواع !
فإنه لن يُفلِح وفَاء إلا وفاءٌ كانَ كلّه لله فقط !
وفَاءُ الطّاعةِ .. لصبحكِ ومسَائكِ ..
1 / 1 / 1432 هـ